الرئيسية الابتكار هل يمكن لإعلان ذكي من ثلاثين ثانية أن يصمد في عصر التشتت؟

هل يمكن لإعلان ذكي من ثلاثين ثانية أن يصمد في عصر التشتت؟

في زمنٍ يتبخّر فيه انتباه الجمهور أسرع من فلاش كاميرا، يراهن عليّ عليّ على الإعلان الذكيّ القصير كآخر معاقل التأثير. ثلاثون ثانية قد تكون كافية... حين تكون محمّلة بالفكرة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يمكن أن نعدّ عليّاً عليّ، المدير الإبداعيّ التّنفيذيّ في غودبيبل (GoodPeople)، وهي دار إنتاجٍ تمتدّ أنشطتها في القاهرة ودبيّ وبيروت والرّياض وأثينـا، سلطةً في عالم الإعلان؛ إذ عمل في هذا المجال أزيد من عشرين عاماً، ونالت أعماله ما يربو على ثلاثٍ وسبعين جائزةً من جهاتٍ مثل كان لايونز (Cannes Lions)، ودي آند آد (D&ADs)، ولوريز (Loeries)، وذي ون شو (The One Show)، وكليوز (Clios)، ودبي لينكس (Dubai Lynx)، وغيرها. 

ويروي عليٌّ لمجلّة "عربية .Inc": "لقد ظللت في عالم الإعلان منذ أمدٍ لا أذكر متى بدأ. تركت مهنتي في هندسة الحواسيب قرابة عام 2001، وانتقلت على الفور من اللّوحات الإلكترونيّة إلى اللّوحات القصصيّة، وما زلت أسير في دروب الإعلان منذ ذاك اليوم". 

أمضى عليٌّ عقداً من الزّمان في الكتابة الإبداعيّة، ثمّ تولّى منصب المدير الإبداعيّ في عدّة وكالاتٍ إعلانيّةٍ تنتشر في أكثر من سبع دولٍ، قبل أن يستقرّ مخرجاً. واليوم، يصنع عليٌّ إعلاناتٍ لعلاماتٍ تجاريّةٍ مثل ديزل (Diesel)، ورولنغ ستون (Rolling Stone)، ولفازا (Lavazza)، بينما يشغل مقاعد التّحكيم في مهرجاناتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ ضمن حقل الإعلان. 

وقد رأينا كيف تطاولت الإعلانات، وتعقّدت أكثر وأكثر، بالتّزامن مع تنامي ضعف انتباه الجمهور. ومن ثمّ رأينا أنّه من المهمّ استطلاع رأي عليٍّ في تحوّل مشهد الإعلان، سيّما فيما يتعلّق بالسّؤال: هل ولّت أيّام الإعلان الّذي يستغرق ثلاثين ثانيةً إلى غير رجعةٍ؟ فيردّ عليٌّ قائلاً: "وأيّ إعلانٍ من ثلاثين ثانيةٍ بعد اليوم؟ ذلك عهدٌ انقضى، وهو ممتلئٌ بالأسف. فلقد دأبت على حضور لجان التّحكيم الدّوليّة على مدى السّنوات العشر الماضية، وأراها كلّ عامٍ تزداد طولاً على طولٍ، حتّى صارت الفترات من ثلاثٍ إلى أربع دقائق كأنّها القاعدة الثّابتة… وفي العام الماضي، أثناء وجودي في لجنة تحكيم الأفلام في كان، تعمّدنا إعطاء جائزة "غراند بريكس" (الجائزة الكبرى) لأقصر عملٍ بلغ القائمة النّهائيّة، ألا وهو (RIP Leon) الرّائع من أبل (Apple). أحببناه جميعاً لوقتنا ذاك، وأردنا أن نوجّه رسالةً للعالم: أرجوكم عودوا إلى إنتاج إعلاناتٍ قصيرةٍ ذكيّةٍ". 

وإعلان (RIP Leon)، الّذي يجيء في أقلّ من خمسٍ وأربعين ثانيةً، يبلغ من الطّول حدّاً كافياً ليظهر رجلاً يسجّل رسالةً يخبر فيها صديقه بموت حيوانه الأليف، ثمّ يتنبّه للخطأ، فيستخدم خاصّيّة "إلغاء الإرسال" في الآيفون. ويعبّر هذا الإعلان عن كيفيّة تزاوج فكرةٍ راسخةٍ برسالةٍ بالغة البساطة، فينتج عنهما عملٌ إعلاميٌّ قصيرٌ ومؤثّرٌ. وهذا ما يؤكّده عليٌّ حين يشير إلى أنّ تقلّص فرص انتباه النّاس يفرض أن يعيد صنّاع الإعلان النّظر في أطوال مقاطعهم. ويضيف قائلاً: "لو تأمّلنا الأمر لوجدناه غايةً في التّناقض: إذ تتقاصر فترات الانتباه، وعلى النّقيض تطول الإعلانات أكثر وأكثر. وجلّ هذا يأتي بغرض تحويلها إلى مادّةٍ ترفيهيّةٍ (محتوى)، وهي لن تصير كذلك إلّا إذا انتقلت نقلةً جوهريّةً في الجودة. إذ لا يجوز في عام 2025 أن تقحموا مقطعاً يمتدّ أربع دقائق عنوةً في حياة الجمهور". 

ويرى عليٌّ أنّ هذا يتّضح على وجه الخصوص في مواسم رمضان، الّتي هي ومنذ حينٍ بعيدٍ أهمّ مواسم الإعلان في العالم العربيّ. ويقول: "لقد كانت حملات رمضان بالأمس مناسباتٍ ثقافيّةً فعلاً، وليست مجرّد خططٍ لشراء مساحاتٍ إعلانيّةٍ". ثمّ يستذكر إعلاناً مبكّراً لموبينل (Mobinil) – وهي الآن أورانچ إيجيبت (Orange Egypt) – حمل عنوان "يا أستاذ صحّيني على المدفع" (Sir, Wake Me Up When It’s Time To Eat)، والّذي أطلق فيما بعد نهجاً جديداً في الإعلان المصريّ يقدّم مقاطع أطول مقترنةً بموسيقًى عالقةٍ في الأذهان. ويلمح إلى أنّ تلك الأعمال كانت تستدرج الجمهور لمشاهدتها، مثلها مثل إعلانات السّوبر بول في الولايات المتّحدة. "ولكن على غرار السّوبر بول أيضاً، وقعنا في فخّ الإكثار من المشاهير وطول المدة، من غير أن يتمّ صرف وقتٍ كافٍ على الفكرة الأصيلة أو الخطّة الإبداعيّة،" يقول عليٌّ. "ولذلك سيتميّز الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى أيّ إعلانٍ من ثلاثين ثانيةٍ ذي فكرةٍ قاتلةٍ. فبدل أن تستثمر العلامات التّجاريّة في بلورة مفهومٍ قويٍّ، نراها تغرق المقاطع الطّويلة بحشودٍ من المشاهير حتّى يضيع المقصد، ويذوب الإعلان بين الزّحام مع غيره". 

من هنا يرى عليٌّ أنّ ثمّة مجالاً لما يشبه إعادة إحياء المفهوم التّقليديّ للإعلان القصير الّذي يدوم ثلاثين ثانيةً، إذ يجابه بذلك تسارع تقلّص انتباه الجمهور، ويفتح فرصةً لإخراج أعمالٍ أشدّ حذقاً. ويسهل استشهاده بمسيرته نفسها دليلاً: فإنّ من بواكير حملاته – وهي الّتي رسّخت اسمه في الخارطة الدّوليّة للأفلام الإعلانيّة – حملة "لا تقل لا للباندا" (Never Say No To Panda) لشركة آرب ديري المقيمة في مصر، والّتي تبرز فيها باندا عملاقةٌ ينفلت زمامها كلّما رفض أحدٌ "باندا تشيز" (Panda Cheese). والطّريف أنّ تلك الحملة عرضت أسبوعاً واحداً فقط، ثمّ سحبها المعلن، فحصدت بعد ذلك جائزتي غراند بريكس في مهرجان دبي لينكس الدّوليّ للإعلان، وميداليّة ذهبٍ للأفلام في جوائز إيبيكا (Epica Awards)، وميداليّة فضّةٍ للأفلام في مهرجان كان الدّوليّ للإعلان عام 2010. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تلك الحملة بمقاطعها الثّلاثين ثانيةً رمزاً ثقافيّاً يتردّد صداه في كلّ الأرجاء، ودليلاً جليّاً على كيف يستطيع إقران إعلانٍ جريءٍ بدعابةٍ وفكرةٍ راسخةٍ أن يخرج إلى النّور منتجاً ثقافيّاً يدوم أثره فوق أمد الحملة نفسها. 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد مارس من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: