هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل المحللين الماليين؟
كيف يتفوق GPT-4 على المحللين الماليين، وأين يبقى دوره محدوداً؟
عندما قال Peter Thiel، الملياردير والمؤسّس المشارك لشركة PayPal ورائد الأعمال التُّكنولوجيُّ، مؤخَّراً إنَّه يعتقد أنَّ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعيِّ ستكون ضارّةً جداً للأشخاص المهتمّين بالرّياضيات في الشَّركات حول العالم، وقد يكون على حقٍّ، وذلك لأنَّ الباحثين في جامعة شيكاغو درسوا كيف يمكن للنَّماذج اللُّغويَّة الكبيرة (LLMs)، وهي التّقنيَّة التي تشغل روبوتات المحادثة مثل ChatGPT، والقيام بالتّحليل الماليّ، واتَّضح أنَّها تستطيع مجاراة قدرات المحلّلين الماليّين البشريين، وأحياناً التَّفوق عليهم. وبالنِّسبة لبعض النَّاس، قد يكون جرس الإنذار الذي يقول: "الذكاء الاصطناعي سيحلُّ محلَّك في العمل" يرنُّ بصوتٍ أعلى قليلاً. [1]
في الورقة البحثيَّة، أوضح فريق جامعة شيكاغو أنَّهم عرضوا بياناتٍ ماليَّةً موحَّدةً ومجهولة الهويَّة على GPT-4، أحد النَّماذج اللُّغويَّة الكبيرة الأكثر ذكاءً وتطوُّراً، والمبتكر من شركة OpenAI، وطلبوا من الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات لتحديد اتّجاه الأرباح المستقبليَّة، وأشارت الورقة إلى أنَّ تحليل البيانات الماليَّة للشَّركة كان يُعدُّ منذ فترةٍ طويلةٍ ذا أهميَّةٍ حاسمةٍ لاتِّخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ، بفضل المعلومات التي توفِّرها حول الصّحَّة الماليَّة للشَّركة و"التَّطلُّعات المستقبليَّة للشَّركة وتقييمها.
لم يقم الباحثون بتدريب الذكاء الاصطناعيّ على أيّ معلوماتٍ محدَّدةٍ عن الشَّركات التي كانوا يدخلون أرقامها، أو أيَّ معلوماتٍ تفصيليَّةٍ أو خاصَّةٍ بمجالها، أو أيّ نوعٍ من المعلومات العامَّة عن الشَّركة التي قد تساعد المحلّلين البشريين في تكوين صورةٍ عن ماضي الشَّركة، على أمل أن يحسِّن ذلك من تنبُّؤاتهم حول مستقبلها.
لكنَّ العلماء وجدوا أنَّ النموذج اللغوي الكبير ما يزال يتفوَّق على المحلّلين البشريين في القدرة على التَّنبُّؤ بتغيرات الأرباح، بل وأظهر تقدُّماً نسبيّاً على المحلّلين البشريين في الحالات التي يجدونها صعبةً، كما قارنوا أداء النَّموذج اللُّغويّ الكبير مع أدوات التَّعلُّم الآليّ الماليّ المُتقدِّمة، وهي مجموعاتٌ تقليديَّةٌ من الخوارزميات المعدَّة بعنايةٍ التي يعتقد الخبراء أنَّها قد تنطبق على نوعٍ معيَّنٍ من البيانات، ووجدوا أنَّ النَّموذج اللُّغويَّ الكبير يعمل بنفس الكفاءة، وهكذا خلص العلماء إلى أنَّ نموذجاً لغويّاً كبيراً مثل GPT-4 يمكن أن يولِّد معلوماتٍ تفصيليَّةً مفيدةً حول الأداء المستقبليِّ للشَّركة، بل ويمكن أن "يلعب دوراً محوريّاً في اتّخاذ القرارات.
شاهد أيضاً: Jais 30B ترتقي بمعايير النماذج اللغوية الكبيرة بالعربية
إذاً، هل ينبغي على المحلّلين الماليين أن يجمعوا الأدلَّة ويروا الإشارات التي تقدِّمها روبوتات المحادثة، ويستقيلوا من وظائفهم ليعيدوا تدريب أنفسهم كخبراءٍ في الذكاء الاصطناعي؟ بالطَّبع لا، على الأقلِّ ليس في الوقت الحاليّ، فمن المعروف أنَّ الجيل الحاليَّ من أنظمة الذكاء الاصطناعي، بفضل تصميمها، معرضة للأخطاء، وأحياناً تخرج معلوماتٍ خاطئةً، وحتَّى أجوبةً مخترعةً تماماً تتنكَّر في هيئة حقائق مقبولةً منطقيّاً.
هذه هي مشكلة "التَّهيؤات" التي تجعل النَّاس قلقين بشأن قدرة النَّماذج اللُّغويَّة الكبيرة على التَّأثير على عقول النَّاس خلال سنة الانتخابات، حتَّى الآن، لا يمكن الاعتماد بشكلٍ كاملٍ على مخرجات النَّموذج اللُّغويّ الكبير، وعندما يتعلَّق الأمر بالمال، حيث توجِّه التَّوقُّعات الماليَّة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات رؤوس الأموال الاستثماريَّة الضَّخمة، فربَّما لا يكون من الحكمة التَّسليم ببساطةٍ لما يقوله ChatGPT واعتباره حقيقةً، وبدلاً من ذلك، يمكن إجراء التَّحليل بواسطة ذكاء اصطناعيّ مثل GPT-4، كما يقترح بعض مؤيدي تكنولوجيا الذَّكاء الاصطناعيّ، ولكن ينبغي تعزيزه بعد ذلك برؤى وخبرات المحلّلين البشريين الحقيقيين.
ولكن ماذا لو كنت الرَّئيس التَّنفيذيَّ لشركةٍ صغيرةٍ وتريد معرفة ما يمكن أن يخبرك به ChatGPT عن التَّوقُّعات بشأن الوضع الماليّ للشَّركة؟ إذا لم تستطع تحمُّل تكلفة توظيف محلّلٍ، أو ببساطةٍ لا تحتاج إلى ذلك، فقد يكون GPT-4 أفضل من محاولة فهم اتّجاهات مجالك دون أن يكون لديك خبرةٌ بها، ومحاولة تحديد ما إذا كانت الرّياح تهبُّ لصالحك أو أنَّ الرّياح المعاكسة قادمةٌ.